علاج آلام المفاصل بالتردد الحراري
يلتقط الدماغ آلام المفاصل المزمنة كإشارات ألم من بؤر مرضية في المفاصل. وتنشأ هذه الإشارات نتيجة أمراض تصيب مكونات المفاصل كالعظام أو الأربطة أو الغضاريف المبطنة للعظام أو الغشاء الزلالي.
وهناك عوامل مساعدة كثيرة لحدوث وتطور هذه الأمراض، كالسمنة وتقدم السن وعنصر الوراثة وعدم ممارسة الرياضة، خصوصا المشي والسباحة، والابتعاد عن تناول الألبان والأجبان والبيض والفواكه والخضراوات والأسماك.
ولقد أثبتت الدراسات الطبية أن الوقاية من أمراض المفاصل وخصوصاً هشاشة العظام - والتي يمكن وصفها بالموت الصامت - أفضل بكثير من العلاج، ولذلك لا بد أن يفعل الإنسان ما في وسعه للمحافظة على سلامة مفاصله.
إن التهاب المفاصل هو من أهم أسباب العجز في المجتمع، ويوجد أكثر من 200 نوع من الأمراض الروماتيزمية، وأكثرها انتشارا هو التهاب المفاصل الروماتويدي ""الرثياني"" Rheumatoid arthritis الذي يمكن أن يؤثر في أي شخص في أي عمر، وأن معاناة النساء من ذلك المرض هي ثلاثة أضعاف الرجال.
وقد يصيب هذا المرض مفصلا أو أكثر، ولا يعلم أحد أسباب هذا المرض على وجه التحديد، وإن كان من الأرجح أن عنصر الوراثة يلعب دورا مهما، وعلى الرغم من أن الإنسان لا يستطيع أن يرث المرض، لكن شيئا ما في الجينات قد يجعله أكثر قابلية للإصابة به.
ويُظهر نحو 35% من الناس الذين أصيبوا بالتهاب المفصل الرثياني استعدادا للمعافاة في أقل من بضع سنوات. ولكن يظل نحو 60% منهم يعانون. إن آلام المفاصل الحادة هي إنذار مبكر لمشاكل قد تكون مسببة للعجز في المستقبل، وهذه الآلام هي منظومة من منظومات الجسم للدفاع عن نفسه. وإذا أهمل الإنسان هذا التنبيه فقد يتطور المرض في المفاصل ويصبح الألم مزمنا ومن ثم مستعصيا على العلاج الطبي.
أسباب آلام المفاصل
تحدث البروفسور أحمد فوزي الملا، أستاذ علاج الآلام والتخدير بالبحوث الطبية (جامعة الإسكندرية)، واستشاري علاج الآلام، والحاصل على الدكتوراه في علاج الآلام وعلى زمالة علاج الآلام بالتداخل اللاجراحي من معهد الألم الدولي بتكساس – أميركا، والشهادة التخصصية في طب علاج الآلام من جامعة كارديف البريطانية، موضحا أن آلام المفاصل تنشأ نتيجة حدوث تغيرات في تركيب مكونات المفاصل، التي تنشأ عنها بؤر مرضية مسببة للألم والتي تُرسَلُ على هيئة إشارات في المسالك العصبية ويستقبلها المخ ويترجمها إلى إحساس بالألم، ومن ثم يتفاعل الجسم لتجنب الألم بأسلوب كعدم تحريك أو استخدام المفصل. وإذا لم تعالج هذه الآلام فقد ينتج عنها تيبس في المفصل المصاب، وبالتالي عجز حركي لهذا المفصل، ما يسبب الإعاقة الجزئية للمريض مما يمنعه من مزاولة عمله ونشاطاته الحيوية اليومية ويصبح عبئا على المجتمع.
علاج آلام المفاصل بالتردد الحراري
ويضيف أ.د.أحمد الملا أن علاج آلام المفاصل تتداخل فيه اختصاصات عديدة، أهمها أطباء الروماتيزم والعظام، وحديثا أطباء علاج الآلام لخبرتهم في التقنيات الحديثة في علاج آلام المفاصل، كالعلاج ""بالتردد الحراري"".
ويلجأ بعض الأطباء إلى حقن المفاصل بمادة الستيرويد (الكورتيزون) لمعالجة الالتهابات، والتي لها مدة علاجية وتسكينية للآلام محدودة والتي غالبا لا يمكن تكرارها نتيجة آثارها الضارة على الجسم، ولذلك يتحاشاها معظم الناس، وإن كانت ضرورية في بعض الأحيان.
إن إبر الستيرويد (الكورتيزون) في المفاصل المصابة قد توقف الألم لفترة معينة وتخفف الالتهاب، ولكن لا يجوز استعمالها بكثرة لأنها تتسبب في مفاقمة إصابة عظام المفاصل، علاوة على تأثيرها في الصحة العامة للجسم.
ويمكن أيضا حقن عقاقير أخرى في المفاصل لتسكين الآلام وتليين حركة المفصل وتحسين التزلق المفصلي وتحسين طبقة الغضروف المبطن لعظام المفاصل ومنع إفراز المواد المسببة لالتهاب المفصل. وقد يلجأ بعض الأطباء إلى عمل «غسيل طبي» للمفصل لإزالة المواد الكيميائية المسببة للالتهابات، ولكن التحسن يكون محدوداً، وفى بعض الأحيان عديم النفع. وكل هذه التقنيات يستخدمها الأطباء حرصا منهم على صحة المرضى من الآثار الضارة للمسكنات الستيرودية وغير الستيرويدية على الكلى والكبد والقلب والمعدة، وكذلك حتى لا يلجأ المرضى في المراحل المتقدمة من المرض إلى جراحات تركيب المفاصل الاصطناعية.
وأشار أ. د. أحمد الملا إلى إدخال التقنيات الحديثة في علاج الآلام، كاستخدام الموجات الكهرومغناطيسية باستعمال تقنية الكهرباء. وتقنية علاج الآلام هذه بدأت، في العهد القديم، عندما استخدم قدماء المصريين أسماكا نيلية معينة تنشأ عنها صدمات كهربائية عند وضعها في قاع حوض مائي، فعالجوا مريض آلام المفاصل بوضع ذراعيه أو ساقيه على سطح الحوض المائي لتلقي الموجات التي تحدثها هذه الأسماك الكهربائية.
محفزات كهربائية
قام العلماء بدراسة هذه الظاهرة واستخدموا الطاقة الكهرومغناطيسية التي تصدر عن الكهرباء في علاج الآلام، إلى أن تم حديثا استخدام جهاز المحفز الكهربائي، إما بوضعه على سطح الجلد القريب من المفصل المصاب لإحداث تذبذبات كهرومغناطيسية أو بزرع المحفز في مناطق معينة فوق آلام الجافية على الحبل الشوكي في العمود الفقري لمحاولة منع إشارات الألم من الوصول إلى المخ، وذلك بإحداث تغيرات كهرومغناطيسية تؤدي إلى إفراز مواد مسكنة من الجسم، والتي تُعطل أو «تشوش» إرسال إشارات الألم إلى المخ.
ولكن استخدام المحفز على الجلد يستخدم بصفة مؤقتة ويفقد فاعليته مع مرور الوقت، إلا إذا تم استخدمه على فترات متفاوتة وبترددات مُتغيرة وذلك نتيجة تعود الجسم عليه وفقدان كمية كبيرة من الموجات الكهرومغناطيسية في الأنسجة الرخوية المحيطة بالمفصل. أما زرع جهاز المحفز الكهربائي على النخاع الشوكي فهو باهظ التكلفة بالنسبة للبعض، علاوة على أن تركيبه بدقة قد يكون صعبا في بعض الأشخاص وكذلك قد يفقد فاعليته نتيجة تقدم مرض المفصل ولا يمكن من الناحية العملية تطبيقه في حالة إصابة أكثر من مفصل في أطراف مختلفة في الجسم، وبالخبرة الطبية لا يتقبله كثير من الأشخاص.
العلاج بالتردد الحراري
ويضيف أ. د. أحمد الملا أنه تم حديثا توصل أطباء علاج الألم إلى إحداث الموجات الكهرومغناطيسية داخل تجويف المفاصل واستغلال خاصية وجود العظام التي تعمل على انعكاس هذه التذبذبات الكهرومغناطيسية، وبالتالي حفظها داخل تجويف المفاصل لمدة أطول، مما يزيد من فعاليتها في تسكين الآلام بدون أدنى تأثير على وظائف الجسم.
تتم هذه التقنية بإدخال مسبار رفيع (إبرة) باستعمال مخدر موضعي بمساعدة الأشعة القوسية في تجويف المفصل المؤلم في غرفة معقمة. وعن طريق هذا المسبار يقوم الطبيب باستخدام جهاز التردد الحراري بدقة لإحداث ذبذبات بترددات خاصة والتي ينشأ عنها مجال مغناطيسي في تجويف المفصل، علما بأن هذه الذبذبات لا تسبب أي آلام للمريض. ويمكن عن طريق المسبار بعد إتمام العلاج حقن عقاقير خاصة تساعد على زيادة التسكين السريع للمفصل وأخرى لتليين حركة المفصل، حيث إن العلاج بالتردد الكهرومغناطيسي لا يحدث تحسنا سريعا وإنما بعد فترة زمنية ولكن لمدة طويلة قد تصل إلى سنوات في بعض الحالات المرضية. ويستخدم العلاج بالتردد الحراري في المرضى الذين يعانون من آلام مستعصية ولا تستجيب للعلاج التقليدي بالأدوية على المدى الطويل أو الخوف من حدوث مخاطر من الآثار الجانبية للأدوية، وكذلك عند عدم استجابة المريض للعلاجات التحفظية أو التأهيلية أو عندما يرفض المريض التدخل الجراحي لتركيب مفاصل صناعية أو أن هناك مشاكل صحية قد تعرض حياته للخطر من إجراء الجراحة المفتوحة لاستبدال المفصل خاصة عند كبار السن ومرضى القلب أو ممن يعانون من السمنة.
فاعلية التردد الحراري
تم الاتجاه إلى العلاج بالتردد الحراري للمفاصل لمحاولة الابتعاد عن مخاطر حقن المفاصل بالكورتيزون، وإزالة الآلام بطريقة مبسطة وحديثة. إن إزالة الآلام قد تستمر لمدة طويلة وإن كانت تختلف من شخص إلى آخر أو في الشخص نفسه، بمعنى أنه قد يستفيد الشخص في وقت ولكن فاعلية العلاج تكون أقل في وقت آخر، ولكن عادة يكون هناك تحسن في أداء المريض وتقليل الأدوية المسكنة. وعلى الرغم من أن هذا العلاج ما زال يحتاج إلى دراسات علمية حثيثة مبنية على طب البراهين لكي نؤكد كيفية عمله في علاج الآلام وفاعليته ولكن الدراسات الحالية تؤكد أنه يؤدي مفعوله، وإن كانت طريقة عمله ما زالت غامضة. ويضيف أ.د.أحمد الملا أن علاج آلام المفاصل لا يعنى أبدا علاج تشوهات المفاصل التي حدثت أو علاج المرض المسبب لهذه الآلام، ولذلك إذا كان المريض مثلا يتعاطى دواء لتثبيط المناعة لعلاج الروماتيزم الرثيائي فيجب الاستمرار عليه، ولكن معالجة الآلام ستساعد في التقليل من أدوية تسكين الآلام والتخفيف من آثارها الضارة، علاوة على أن المريض سيستطيع ممارسة العلاج الطبيعي والتأهيلي بشكل أفضل ما قد يُحسن أداءه الحركي وتقليل نسبة العجز. أما مزايا العلاج فهي الاستغناء التدريجي وعدم الإفراط في استخدام الأدوية المسكنة وبالتالي تفادي آثارها الجانبية، وبعد إتمام هذا العلاج لا داعي للإقامة السريرية في المستشفى ويسمح بتناول الطعام والشراب فورا ويستطيع المريض مزاولة نشاطاته الحيوية بصورة أفضل وأسرع.
طريقة العلاج بالتردد الحراري
يشير أ. د. أحمد الملا إلى أن آلية عمل هذا العلاج أمكن تفسيرها العلمي بأن إحداث المجال الكهرومغناطيسي في تجويف المفصل يؤثر في التكوينات الجزيئية الدقيقة (على مستوى التكوينات الميكروسكوبية للخلايا) للمستقبلات العصبية في المفصل، ما ينتج عنه تقليص حجم وعدد البؤر المسببة لإرسال إشارات الألم أو أنه قد يؤثر في جهاز المناعة ما يُحد من أو يمنع إفراز المواد المسببة للالتهاب في تجويف المفاصل أو حتى على مستوى الجسم. وأشارت الدراسات الطبية الحديثة إلى أن استخدام المجال الكهرومغناطيسي الناتج عن استخدام تقنية التردد الحراري في المفاصل الصغيرة في اليد أو القدم، وكذلك مفاصل الفقرات للعمود الفقري (المسببة لآلام العنق والظهر) له تأثير سريع في تلاشي الآلام والتي تستمر لمدة طويلة، ولكن إذا ما استخدم هذا المجال الكهرومغناطيسي في المفاصل الكبيرة كالركبة والكتف وكذلك مفاصل الحوض (المسببة لآلام الظهر) فيحدث تحسن تدريجي وبطيء ولكنه يستمر لمدة طويلة. ويختتم أ.د.أحمد الملا حديثه بأن الاتجاه الحديث لعلاج الآلام بالتداخل اللاجراحي هو اتجاه لصون جسم المريض ومحاولة لتفادي الجراحات ووسيلة بسيطة وحديثة لمحاولة القضاء على الألم. ولأن الكثيرين في المجتمع قد يعانون من الآلام، ولأن علاج الآلام أصبح حقا من حقوق المريض في المجتمعات المتحضرة تم ظهور وتدريس طب معالجة الألم والاهتمام بهذا التخصص الحيوي في كثير من البلدان الأوروبية والأميركية والعربية لخدمة المجتمع.
المصادر :
مجلة بلسم لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.