أمراض وأعراض

الفايبروميالجيا (مرض غامض ينتشر بين الناس لا طبيب له)

الفايبروميالجيا (مرض غامض ينتشر بين الناس لا طبيب له)

 

الفايبروميالجيا (الألم العضلي الليفي) تعد حالة معقدة و صعبة الفهم لمن لا يعمل في المجال الطبي. ولأنها تتعلق بالجهاز العصبي و الدماغ، فان لها تأثير عام يمتد ليشمل جميع أجزاء الجسم. مرض غامض ينتشر بين الناس لا طبيب له

 

إذا أردت محاولة فهم و استيعاب ماهية المتلازمة لدى شخص تعرفه فإنك قد تصاب بالإرباك و الحيرة، لأن الأعراض المصاحبة لها هي أعراض غريبة، متداخلة لا تظهر في الفحوصات المخبرية، وحتى قد تبعث لديك الشعور بأن الوضع كله ما هو إلا حالة نفسية ! و لكن البحوث العلمية اظهرت أن هذا الوضع هو وضع فيزيائي جسماني بحت، وعلى الرغم من ذلك فإن الأبحاث العلمية قد لا تساعد في أغلب الحالات لكثرة المصطلحات التي لا يمكن استيعابها من قبل الأشخاص غير المتخصصين.

 

الهدف من هذه المقالة هو مساعدة الأشخاص غير المصابين بالفايبروميالجيا على فهم وربط ما يحدث في جسم المصاب بالمتلازمة بشكل واضح و سهل و بدون التطرق للمصطلحات الطبية المعقدة.

 

استيعاب ماهية متلازمة الفايبروميالجيا

 

تخيل انك خططت لإعداد حفلة وكان عدد المدعوين 20 مدعوا بالإضافة لوجود من يساعدك، ولكنك وجدت نفسك لديك 100 مدعو و بدون أي مساعدة!

هذا ما يحدث عند مريض الفايبروميالجيا فالإشارات المرسلة من الخلايا العصبية الدالة على مستوى شدة الألم ترسل للمصاب بخمسة أضعاف حجمها الطبيعي، فتتحول الضغطة أو اللمسة البسيطة إلى ألم شديد و مُضخّم.

عند وصول الإشارات الخاصة بالألم للدماغ تبدأ عملية تحليل هذه الاشارات بواسطة السيروتونين و هي مادة كيميائية في الدماغ (الأشخاص اللذين وعدوا بالحضور للمساعدة و لم يحضروا). يفتقر و جود هذه المادة عند المصابين بالمتلازمة و هذا يؤدي الى ضغط هائل على الدماغ من الاشارات الخاصة بالألم و تأثير سلبي عام على المصاب.

 

المصابون بالفايبروميالجيا لديهم آلام في الأنسجة و الألياف العضلية التي لا تظهر فيها أي علامات للخلل! طبعا الألم حقيقي و هو ليس من نسج الخيال، هو شعور مبهم يؤدي بالدماغ إلى تحويله إلى ألم حقيقي و فعلي. بالإضافة الى هذا فإن هناك عدة عوامل أخرى تؤثر على الدماغ فتؤدي إلى تضخيم كل ما يدور حول المصاب و كل ما يتعامل معه فتجده لديه حساسية زائدة اتجاه الضوء، الصوت، والرائحة، بالإضافة الى الألم المضخم. هذه العوامل مجتمعة تصبح عبئا على الدماغ و الذي يؤدي إلى ما يسبب التشتت، الشعور بالخوف، التوتر، ونوبات الجزع و الهلع. من الجدير بالذكر أن هذه الأعراض تتفاوت في شدتها من شخص لآخر وقد تكون لا تذكر لدى البعض.

 

ماهية متلازمة الفايبروميالجيا و محاولة فهم التقلبات لدى المصابين

 

أغلب الأشخاص اللذين يعانون من مرض مزمن يكونون في حالة مرضية نوعا ما مستمرة و ثابتة؛ فمثلا تأثير مرض السرطان أو الأمراض الانتكاسية يكون ثابت و متوقع و غير متذبذب. ولكن هذا الوضع مختلف كليا لدى المصاب بالمتلازمة وهو غير قابل للتفسير، فترى المصاب بالمتلازمة لا يستطيع القيام بأعماله يوم الاثنين على سبيل المثال ولكنه قد يفاجئك بمقدرته التامة على القيام بنفس الأعمال يوم الأربعاء مثلا!!!

 

ولتوضيح هذه الفكرة جيدا دعنا ننظر إليها من مفهوم أن الهرمونات تتذبذب و تختلف من شخص لآخر كما الوزن و الضغط يرتفع و ينخفض في خلال اليوم الواحد أو الأسبوع أو حتى الشهر. وبالتالي فإن أجهزة الجسم تعمل بنفس الأسلوب تبعا للحالة التي يمر بها الجسم. لقد توصل الباحثون إلى أن المتلازمة متعلقة و مرتبطة بمستويات هرمونات متعددة وعناصر أخرى تؤثر على الجسم وحيث أن كل شيء متذبذب فأحيانا تكون المستويات ضمن المعدل الطبيعي و أحيانا أخرى أقل، مما يؤدي الى سوء أو تحسن الحالة.

 

علاقة الضغط و التوتر النفسي بمتلازمة الفايبروميالجيا

 

يعتقد بعض الناس إن مرضى المتلازمة لا يستطيعون السيطرة على مشاعرهم وبالتالي لا يوجد لديهم المقدرة على مواجهة الضغط و التوتر لأن الأمور المقلقة في العادة تزيد من شدة الأعراض.

 

من المهم للعلم بأن الاستجابة الطبيعية للتوتر و الضغط تكون بطريقتين؛ جسدية وحسية. إن رد الفعل الجسدي هو عبارة عن دفعة من الأدرينالين بالإضافة للهرمونات الأخرى التي تساعد على اعطاء الجسم دفعة قوية تعمل على مساعدته للتأقلم بما يحدث حوله. المصابون بالمتلازمة لا يوجد لديهم هرمونات كافية للقدرة على التأقلم مما يجعل التوتر و القلق من الأمور الصعبة على أجسامهم وهذا ما يؤدي إلى سوء الأعراض.

 

غالبا عند الحديث عن القلق و التوتر نعنى بالعوامل العاطفية المسببة للقلق و التوتر مثل: ضغوط العمل، جدول أعمال ممتلئ، أو حتى تضارب الآراء مع أشخاص آخرين. و لكن من المهم أيضا ادراك العوامل العضوية المسببة للقلق و التوتر مثل الأمراض، قلة النوم، وضعف المكملات الغذائية.

 

تفسير التعب أو الإرهاق المزمن المصاحب لمتلازمة الفايبروميالجيا

 

لو طلبت منكم تذكر وقت كنتم فيه تشعرون بتعب ولكنه تعب وارهاق شديدين، ارهاق بعد ليلة طويلة من السهر المتواصل للدراسة لامتحان أو النوم المتقطع نتيجة وجود طفل رضيع يحتاج إلى الرعاية أو لديك طفل مريض بالإنفلونزا و الحراة المرتفعة.

تخيل أن هذا الإرهاق و التعب ملازم لك في نهارك خلال العمل أو خلال محاولتك العناية بأطفالك أو حتى تنظيف المنزل أو الطبخ، الى آخره من مهام يومية. إن معظم الناس بحصولهم على ليلة أو ليلتان من النوم الكامل سوف يستعيدون نشاطهم و حيويتهم، ولكن مع وجود المتلازمة فإن نوعية النوم تتفاوت و تتذبذب لدرجة تؤدي إلى حدوث اضطرابات و خلل في نوعية النوم مثل : صعوبة النوم أو مواصلة النوم ، عدم القدرة للوصول أو البقاء في مرحلة النوم العميق ،انقطاعات في التنفس مما تؤدي إلى استيقاظ النائم بشكل متكرر.

أيضا من الأعراض التي ممكن حدوثها لدى المصاب بالفايبروميالجيا ما يعرف بـ"متلازمة الرجل القلقة" وهي عبارة عن حركات لا إرادية و تقلصات في الأرجل بحيث تجعل النوم شبه مستحيل.

الكثير من الأمراض تنحصر في عضو واحد أو في نظام واحد، أما المتلازمة فتتوزع على جميع أجزاء الجسم، مع وجود جميع أنواع الأعراض الغريبة والتي تظهر و بدون سابق انذار و تتفاوت هذه الأعراض في شدتها و تختلف من شخص إلى آخر.

 

إن متلازمة الفايبروميالجيا قد تأخذ شخص متعلم، طموح، متفاني في عمله، لا يكل أو يتعب إلى شخص تسلب منه قدرته على القيام بما اعتاد عليه في عمله، منزله، في ممارسته لرياضته المفضلة أو حتى في التفكير السليم و الشعور أنه متيقظ و ذو جسم سليم خال من الأمراض!

 

إنها ليست حالة نفسية.....إنها ليست كسل......إنها ليست تذمر و دلع......

 

إنها نتيجة لحالة من الاضطرابات المنتشرة في جسم المصاب و عقله و التي من الصعب فهمها ،تفسيرها أو حتى التعامل معها .....إنها حتى الآن حالة لا يوجد لها علاج....!!!

 

إن أصعب شيء للمصابين بالفايبروميالجيا هو محاولة التعايش معها؛ لذا يجب وجود الدعم و التفهم ممن يعيش و يتعامل مع مصابي المتلازمة لجعل حياتهم أفضل و أسهل. 

المصادر : Adrienne Dellwo, About.com Guide